متابعة لحديثنا حول قانون الأحكام الأسرية الذي طرحناه في الخطب الماضية نشير إلى بعض الأمور المتممة:
الأمر الأول: رفض الضمانا ت الدستورية يثير السؤال
عندما طرح أن هناك سعياً لتشريع قانون أحكام الأسرة أوضحنا أننا لا نمانع من صدور قانون يوافق الشرع لكن طالبنا بوجود ضمان دستوري يمنع من تغيير القانون مستقبلاً إلى ما يخالف الشرع، و قلنا بأن هذا القانون لا يمكن أن يكون للسطلة التشريعية دوراً في إقراره و رفعه، و إنما الأمر في ذلك إلى الفقهاء فقط، و هذا المقدار الذي طالبنا به لم ينطلق إلاّ من واجب المحافظة على أحكام الله تعالى من كل ما يهددها بالتحريف، لكن الذي نسمعه إلى الآن هو عدم قبول الطرف الآخر بالموافقة على الضمان الدستوري، الأمر الذي يثير السؤال عن أسباب الرفض، فإذا كنا لا نريد التغيير إلى ما يخالف الشرع فلماذا نرفض الموافقة على الضمان، و إذا قدمتم ضماناً غير الضمان الذي يطالب به العلماء و لم يوافق عليه العلماء فما المانع – ما دام أنكم لا تريدون تغيير القانون إلى ما يخالف الشرع – من أن توافقوا على الضمان الذي يطالب به العلماء، حتى تحل العقدة و تنتهي الإشكالية ؟!
و ما الحاجة للإصرار على الرفض مادام أنكم لا تنوون التغيير المخالف للشرع؟
هذا ما لا نعرف له جواباً مقنعاً!
الأمر الثاني: الضمان للأحكام الأسرية لا يقل أهمية عن غيره
إن هناك بعض الأمور التي نص في الدستور على أنها أبدية غير قابلة للتغيير، حينئذ يأتي هذا السؤال أنه: هل التنصيص في الدستور على ضرورة عدم تغيير قانون أحكام الأسرة إلى ما يخالف الشرع، و التنصيص على كون ذلك أبدياً أقل أهمية ممّا نص على أبديته في الدستور ؟!
مع أن هذا حق الله تعالى و شرعه، و ليس فوقه حق.
الأمر الثالث: العلماء مع التطوير الموافق للشرع
أنه لازال نقرأ بعض المقالات و نسمع بعض الكلمات التي تدل على أن قائليها – مع أنهم من الطبقة المثقفة – لم يفهموا مطلب العلماء، فالعلماء لا يطالبون بسد باب تغيير و إصلاح القانون، بإضافة مواد أو حذف مواد أو غير ذلك، فهم لا يمانعون تطوير القانون مستقبلاً بما يستجيب لحل مشاكل الحياة و تطورها الحضاري، كيف و الإسلام لكل زمان و مكان، و القرآن لكل زمان و مكان، و السنة الشريفة لكل زمان و مكان، بل العلماء مع التطوير و ليسوا مع الجمود، و لكن مطلب العلماء هو: التنصيص في الدستور على أن كل تغيير يجب أن يكون موافقاً للشرع، وفقاً لفتاوي المرجع الأعلى في كل زمان، فالعلماء لا يمنعون التطوير، و إنما يطالبون بتقنينه و ترشيده بما يحافظ على أحكام الشرع و لا يتجاوزها، على أن يكون هذا مضمونا بضمانة دستورية أبدية.
فليس من الجائز وصف العلماء و موقفهم بالمعارض للتغيير و التطوير، بل هذا الوصف تزوير و تحريف للحقيقة و تشويه للموقف، لأن العلماء – دائماً – مع التطوير الموافق للشرع و الذي يحافظ على ثوابت الشرع.
الأمر الرابع: لقد شاهدنا في مسيرة يوم الأربعاء قبل الماضي مشاركة الآلاف من النساء و البنات المؤمنات في المسيرة
و دعم موقف العلماء المطالب بالضمانات الدستورية لقانون أحكام الاسرة، فلما وجدوا وقوف هذه الآلاف من النساء مع موقف العلماء أخذوا يتهمون هذه المرأة بالتخلف و الجهل؟
مما يثير أنه هل الضابط في وعي المرأة و علمها و حضارتها أن توافقكم في الرأي و إلاّ كانت جاهلة و متخلفة، أهذه حضارتكم، لنسلم معكم إن قسماً من هذه النساء و البنات اللاتي شاركن في المسيرة كن غير مثقفات، و لكن هل يمكنكم إنكار إن الآلاف من المشاركات كن من الدكتورات و الطبيبات و المهندسات و الجامعيات و غيرهن من الشرائح المثقفة و الواعية و الدارسة و المتحضرة ؟
إن كنتم تنكرون حتى هذا المقدار فيكفي إنكاركم هذا جواباً لكم، و لستم بحاجة إلى جواب آخر، و إن كنتم تعترفون بذلك، و بحضورهن - حضور الطبقة المثقفة و الواعية من النساء و البنات – فكيف يفسر حينئذ موقف المرأة المشاركة بأنه ناشئ عن الجهل و التخلف، و عدم معرفة القانون و خصوصياته، و حاجة المرأة إليه لتأمين مستقبلها السعيد؟!
لقد كشف هذا الحدث مرة أخرى عن أنه لا زالت هناك ثقافة مترسخة لدى البعض بأنه: (إمّا وافقني في الرأي و إلاّ فأنت لا تفهم، و أنت جاهل، و أنت متخلف)، و كأنه يملك الحقيقة كلها، و الآخر يفقد الحقيقة كلها!
اللهم إحفظنا من عندك، اللهم إهدنا من عندك، اللهم أفض علينا من فضلك، اللهم إحفظنا بحفظك يا خير الحافظين، و استر علينا بسترك يا أستر الناظرين.
عبادالله: ( إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى، و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي، يعظكم لعلكم تذكرون). النحل / 90.